فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُم جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}.
في {الْفِرْدَوْسِ} خمسة أقاويل:
أحدها: أن الفردوس وسط الجنة وأطيب موضع فيها، قاله قتادة.
الثاني: أنه أعلى الجنة وأحسنها، رواه ضمرة مرفوعًا.
الثالث: أنه البستان بالرومية، قاله مجاهد.
الرابع: أنه البستان الذي جمع محاسن كل بستان، قاله الزجاج.
الخامس: أنه البستان الذي فيه الأعناب، قاله كعب.
واختلف في لفظه على أربعة أقاويل:
أحدها: أنه عربي وقد ذكرته العرب في شعرها، قاله ثعلب.
الثاني: أنه بالرومية، قاله مجاهد.
الثالث: أنه بالنبطية، فرداسًا، قاله السدي.
الرابع: بالسريانية، قاله أبو صالح.
قوله عز وجل: {خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} أي متحولًا وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بدلًا، قاله الضحاك.
الثاني: تحويلًا، قاله مقاتل.
الثالث: حيلة، أي لا يحتالون منزلًا غيرها.
وقيل إنه يقول أولهم دخولًا إنما أدخلني الله أولهم لأنه ليس أحد أفضل مني، ويقول آخرهم دخولًا إنما أخرني الله لأنه ليس أحد أعطاه الله مثل ما أعطاني.
قوله عز وجل: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وعد بالثواب لمن أطاعه، ووعيد بالعقاب لمن عصاه، قاله ابن بحر ومثله {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}.
الثاني: أنه العلم بالقرآن، قاله مجاهد.
الثالث: وهذا إنما قاله الله تعالى تبعيدًا على خلقه أن يُحصواْ أفعاله ومعلوماته، وإن كانت عنده ثابتة محصية.
قوله عز وجل: {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني فمن كان يخاف لقاء ربه، قاله مقاتل، وقطرب.
الثاني: من كان يأمل لقاء ربه.
الثالث: من كان يصدّق بلقاء ربه، قاله الكلبي.
وفي لقاء ربه وجهان:
أحدهما: معناه ثواب ربه، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: من كان يرجو لقاء ربه إقرارًا منه بالعبث إليه والوقوف بين يديه.
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الخالص من الرياء، قاله ذو النون المصري.
الثاني: أن يلقى الله به فلا يستحي منه، قاله يحيى بن معاذ.
الثالث: أن يجتنب المعاصي ويعمل بالطاعات.
{وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فيه وجهان:
أحدهما: أن الشرك بعباته الكفر، ومعناه لا يُعْبَد معه غيرُه، قاله الحسن.
الثاني: أنه الرياء، ومعناه ولا يرائي بعمله أحدًا، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَخْوَفُ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الخَفِيَّةَ. قيل: أتشرك أمتك بعدك؟ قال: لاَ، أَمَّا أَنَّهُم لاَ يَعْبُدونَ شَمْسًا وَلاَ قَمَرًا وَلاَ حَجرًا وَلاَ وَثَنًا وَلكِنّهُم يُرَاءُونَ بِعَمَلِهِم. فقيل: يا رسول الله وذلك شرك؟ فقال: نَعَم. قيل: وما الشهوة الخفية، قال: يُصْبِحُ أَحَدُهُم صَائِمًا فَتَعْرِضُ لَهُ الشَّهْوَةُ مِن شَهَواتِ الدُّنْيَا فَيُفْطِرَ لَهَا وَيَتْرُكَ صَوْمَهُ». وحكى الكلبي ومقاتل: أن هذه الآية نزلت في جندب بن زهير العامري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله فيثنى به علينا فيعجبنا، وأني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ: يَقُولُ أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشَرَكَنِي فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لِي أَحَدًا مِن خَلْقِي تَرَكْتُهُ وذلِكَ الشَّرِيكَ» ونزلت فيه هذه الآية: {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)}.
لما فرغ من ذكر الكفرة والأخسرين أعمالًا الضالين، عقب بذكر حالة المؤمنين ليظهر التباين، وفي هذا بعث النفوس على اتباع الحسن القويم، واختلف المفسرون في {الفردوس} فقال قتادة إنه أعلى الجنة وربوتها، وقال أبو هريرة إنه جبل تنفجر منه أنهار الجنة، وقال أبو أمامة، إنه سرة الجنة، ووسطها، وروى أبو سعيد الخدري أنه تنفجر منه أنهار الجنة، وقال عبد الله بن الحارث بن كعب إنه جنات الكرم والأعناب خاصة من الثمار، وقاله كعب الأحبار، واستشهد قوم لذلك بقول أمية بن أبي الصلت: البسيط:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة ** فيها الفراديس والفومان والبصل

وقال الزجاج قيل إن {الفردوس} سريانية، وقيل رومية، ولم يسمع بـ: {الفردوس} في كلام العرب إلا في بيت حسان: الطويل:
وإن ثواب الله كل موحد ** جنان من الفردوس فيها يخلد

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس»، وقالت فرقة {الفردوس} البستان بالرومية، وهذا اقتضاب القول في {الفردوس} وعيون ما قيل، وقوله: {نزلًا} يحتمل الوجهين اللذين قدمناهما قبل، والحلول بمعنى التحول، قال مجاهد: متحولًا، ومنه قول شصار: مجزوء الرجز:
لكل دولة أجل ثم يتاح لها حول

وكأنه اسم جمع، وكأن واحده حوالة، وفي هذا نظر، وقال الزجاج عن قوم: هي بمعنى الحيلة في التنقل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف متكلف، وأما قوله: {قل لو كان البحر} إلى آخر الآية، فروي أن سبب الآية أن اليهود قالت للنبي عليه السلام كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها، ومبعوث إليها، وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم، وأنت مقصر، قد سئلت في الروح ولم تجب فيه، ونحو هذا من القول، فنزلت الآية معلمة باتساع معلومات الله عز وجل، وأنها غير متناهية، وأن الوقوف دونها ليس ببدع ولا نكير، فعبر عن هذا بتمثيل ما يستكثرونه، وهو قوله: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي} والكلمات: هي المعاني القائمة بالنفس، وهي المعلومات، ومعلومات الله سبحانه لا تناهى، و. متناه، ضرورة، وقرأ الجمهور: {تنفد} بالتاء من فوق، وقرأ عمرو بن عبيد: {ينفد} بالياء وقرأ ابن مسعود وطلحة: قبل أن تقضي كلمات ربي، وقوله: {مدادًا} أي زيادة، وقرأ الجمهور: {مدادًا} وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش ومجاهد والأعرج {مددًا}، فالمعنى لو كان البحر {مدادًا} تكتب به معلومات الله عز وجل، لنفد قبل أن يستوفيها، وكذلك إلى ما شئت من العدد، و{إنما أنا بشر مثلكم} لم أعط إلا ما أوحي إلي وكشف لي، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {ينفد} بالياء من تحت، وقرأ الباقون بالتاء، وقوله: {قل إنما أنا بشر مثلكم} المعنى: {إنما أنا بشر} ينتهي علمي إلى حيث {يوحى إلي} ومهم ما يوحى إلي، أنما إلهكم إله واحد، وكان كفرهم بعبادة الأصنام فلذلك خصص هذا الفصل مما أوحي إليه، ثم أخذ في الموعظة، والوصاة البينة الرشد، و{يرجو} على بابها، وقالت فرقة: {يرجو} بمعنى يخاف، وقد تقدم القول في هذا المقصد، فمن كان يؤمن بلقاء ربه وكل موقن بلقاء ربه، فلا محالة أنه بحالتي خوف ورجاء، فلو عبر بالخوف لكان المعنى تامًا على جهة التخويف والتحذير، وإذا عبر بالرجاء فعلى جهة الإطماع وبسط النفوس إلى إحسان الله تعالى، أي {فمن كان يرجو} النعيم المؤبد من ربه {فليعمل} وباقي الآية بين في الشرك بالله تعالى، وقال ابن جبير في تفسيرها لا يرائي في عمله وقد روي حديث أنها نزلت في الرياء، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يجاهد ويحب أن يحمده الناس، وقال معاوية بن أبي سفيان هذه آخر آية نزلت من القرآن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {كانت لهم جنات الفردوس}.
قال ابن الأنباري: كانت لهم في علم الله قبل أن يُخلَقوا.
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جِنانُ الفردوس أربع، ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إِلى ربهم إِلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وروى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس أعلاها، ومنها تفجَّر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس» قال أبو أمامة: الفردوس سرّة الجنة.
قال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية.
وقال كعب، والضحاك: {جنات الفردوس}: جنات الأعناب. قال الكلبي، والفراء: الفردوس: البستان الذي فيه الكرم. وقال المبرد: الفردوس فيما سمعت من كلام العرب: الشجر المتلف، والأغلب عليه العنب. وقال ثعلب: كل بستان يحوّط عليه فهو فردوس، قال عبد الله بن رواحة:
في جنانِ الفردوسِ ليسَ يخافو ** ن خروجًا عنها ولا تحويلا

وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قال الزجاج: الفردوس أصله رومي أعرب، وهو البستان، كذلك جاء في التفسير، وقد قيل: الفردوس تعرفه العرب، وتسمي الموضع الذي فيه كرم: فردوسًا.
وقال أهل اللغة: الفردوس مذكَّر، وإِنما أنث في قوله تعالى: {يَرِثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 11] لأنه عنى به الجنة.
وقال الزجاج: وقيل: الفردوس: الأودية التي تنبت ضروبًا من النبت، وقيل: هو بالرومية منقول إِلى لفظ العربية، قال: والفردوس أيضًا بالسريانية كذا لفظه: فردوس، قال: ولم نجده في أشعار العرب إِلا في شعر حسان، وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين، لأنه عند أهل كل لغة كذلك، وبيت حسان:
فَإِنِّ ثَوَابَ اللهِ كلَّ مُوَحِّدٍ ** جِنَانٌ مِنَ الْفِرْدَوْسِ فيهَا يُخَلَّدِ

وقال ابن الكلبي باسناده: الفردوس: البستان بلغة الروم، وقال الفراء: وهو عربي أيضًا، والعرب تسمي البستان الذي فيه الكرم فردوسًا.
وقال السدي: الفردوس أصله بالنبطية فرداسَا.
وقال عبد الله بن الحارث: الفردوس: الأعناب.
وقد شرحنا معنى قوله: {نُزُلًا} آنفًا.
قوله تعالى: {لا يبغون عنها حِوَلًا} قال الزجاج: لا يريدون عنها تحوُّلًا، يقال: قد حال من مكانه حِوَلًا، كما قالوا في المصادر: صَغُر صِغرًَا، وعَظُم عِظَمًا، وعادَني حُبُّها عِوَدًا؛ قال: وقد قيل أيضًا: إِن الحِوَل: الحِيلة، فيكون المعنى: لا يحتالون مَنْزِلًا غيرها.
فإن قيل: قد عُلم أن الجنة كثيرة الخير، فما وجه مدحها بأنهم لايبغون عنها حِوَلًا؟
فالجواب: أن الإِنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه، فيحب أن ينتقل إِلى دار أخرى، وقد يملّ، والجنة على خلاف ذلك.
قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}.
سببب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إِلا قليلًا} [الإسراء: 85] قالت اليهود: كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.